تحظر القوانين الدولية والإقليمية بيع الأسلحة في ظل ظروف النزاع الحالية في اليمن، إذ من المحتمل أن تتسبب في انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني. وعلى الرغم من ذلك، قررت أخيرًا المملكة المتحدة وإيطاليا استئناف عمليات بيع الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، ومواصلة تجارة الأسلحة بغض النظر عن التكلفة البشرية الكبيرة الناجمة عن ذلك.
التزمت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في أواخر التسعينيات بمجموعة مشتركة من القواعد الإقليمية التي تتحكم في الصادرات العسكرية بهدف معالجة ومنع آثار تجارة الأسلحة غير المنظّمة أو سيئة التنظيم على النزاعات والأمن والاستقرار الإقليمي، وخاصةً المعاناة الإنسانية.
في مدونة قواعد السلوك الخاصة بصادرات الأسلحة لدى الاتحاد الأوروبي – والتي أصبحت فيما بعد الموقف المشترك للمجلس (2008/944/CFSP) – وافقت دول الاتحاد الأوروبي تحديدًا على احترام الالتزامات الدولية وحقوق الإنسان في بلدان المقصد النهائي.
وهذا يعني – على سبيل المثال – عدم إصدار تراخيص التصدير عندما يهدف مقترح التصدير للقمع الداخلي أو ارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني، أو في حال أفادت بالفعل هيئات مختصة تابعة للأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي بوجود انتهاكات خطيرة.
مع ذلك، دائمًا ما كانت هناك اختلافات في كيفية تفسير الدول الأعضاء لهذه القواعد وفقًا لعمليات صنع القرار الداخلية والمصالح السياسية والاقتصادية المختلفة، مما أدى إلى بيع القنابل والصواريخ لأكثر الدول شهرةً في ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان.
تتجلّى هذه الاختلافات بشكلٍ خاص في حالة النزاع في اليمن، فضلًا عن رمزيتها في تجاهل الدول لالتزاماتها الدولية المشتركة بناءً على التقديرات الوطنية، وليس فقط في حقيقة أن عمليات نقل الأسلحة من الدول الغربية – التي يُزعم أنها ديمقراطية – تساهم في تأجيج الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في الدول الثالثة التي غالبًا ما تكون دولًا نامية.
في حين أوقفت أو قيّدت بعض دول الاتحاد الأوروبي مثل هولندا وألمانيا صادرات المعدّات العسكرية إلى التحالف العربي المنخرط بشكل فاعل في الصراع اليمني بسبب مخاوف متعلقة بالقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، استمرت أو استأنفت دول أخرى بيع السلاح للسعودية.
فازت الحملة ضد تجارة السلاح (CAAT) بقضية في عام 2019 في المملكة المتحدة ضد ترخيص الحكومة لتصدير الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، ما أدى إلى توقف قصير في مبيعات الأسلحة.
ولكن حكومة المملكة المتحدة أعلنت في يوليو/ تموز 2020 أنها ستستأنف عملية الترخيص، حيث أيّدت المحكمة العليا في لندن قبل عدة أيام استئناف المبيعات، في حكمٍ استند إلى أدلة سريّة ورفض طلب نشطاء الحملة ضد تجارة السلاح بمراجعة قضائية لقرار الحكومة.
كانت هناك شكوى مماثلة في إيطاليا عام 2018 قدّمتها المنظمات غير الحكومية (شبكة السلام ونزع السلاح الإيطالية، والمركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، ومنظمة مواطنة لحقوق الإنسان) ضد وحدة تصاريح مواد التسلح (UAMA) – وهي الهيئة الوطنية لترخيص الصادرات العسكرية في إيطاليا – وشركة صناعة الأسلحة (RWM Italia).
كما في حالة المملكة المتحدة، استندت الشكوى إلى فشل الحكومة في الامتثال للمعايير الوطنية والدولية التي تحكم صادرات الأسلحة، إذ إنّ المعدات العسكرية التي تم تصديرها للرياض استخدمت لارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني، لكن القضية الإيطالية شملت الإمارات العربية المتحدة باعتبارها شريكًا في التحالف العربي.
في يونيو/ حزيران 2019، كان البرلمان الإيطالي قرر تعليق الصادرات العسكرية إلى كلٍ من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، مشيرًا إلى التزامه بجهود استعادة السلام في اليمن وحماية حقوق الإنسان، إلا أنه تبين أن هذا استثناء مؤقت، وأن ما يجب أن يكون عليه الوضع الراهن – وهو حماية أرواح الناس وحقوقهم بدلًا من تحقيق مصالح القلة – أصبح اليوم أمرًا بعيد المنال.
بعد أربع سنوات، رفعت الحكومة الإيطالية اليمينية المتطرفة الجديدة الحظر المفروض على هاتين الدولتين وقررت إعادة بيع الأسلحة إلى الإمارات العربية المتحدة في أبريل/ نيسان 2023 وإلى المملكة العربية السعودية في الشهر التالي.
وفقًا لحكومة “جورجيا ميلوني” فإن “الأسباب الكامنة وراء هذه الإجراءات قد اختفت الآن” وأن تصدير القنابل والصواريخ إلى السعودية والإمارات يتوافق مع السياسة الخارجية والدفاعية لإيطاليا. لكن لا ينبغي أن يختفي أي شيء أثناء الحرب، لا سيّما في سياق ضمان محاسبة المسؤولين عن ارتكاب جرائم الحرب.
منذ عام 2015، سجّل “مشروع بيانات اليمن” ما لا يقل عن 25,054 غارة جوية في البلاد نفّذها التحالف العربي بقيادة السعودية، وذلك لأن جماعة الحوثي المسلحة – الخصم الرئيس للتحالف العربي في النزاع – ليس لديها أي قوة جوية على الإطلاق.
قُتل عشرات الآلاف من المدنيين وشوهوا ونزحوا بسبب الهجمات الجوية العشوائية التي جرت بفضل الإمدادات العسكرية الغربية والإفلات من العقاب الذي استفاد منه قطاع صناعة الأسلحة في أوروبا لسنوات.
لم يكن ينبغي بيع الأسلحة لأطراف النزاع في المقام الأول، ولكن الآن بعدما استمرت الهدنة في تحقيق الكثير حتى بعد انتهائها وأبدت الجهات الفاعلة المحلية استعدادها للمشاركة البناءة، فإن قرار استعادة تجارة الأسلحة هو القرار الأسوأ.
ما يزال المدنيون اليمنيون يعانون من تداعيات تكدُّس الأسلحة وسوء استخدامها خلال قرابة عقدٍ من الحرب، وما تزال بلادهم مسرحًا لإحدى أكبر الأزمات الإنسانية في العالم.
على الرغم من بوادر الأمل غير المسبوقة في نهاية محتملة للنزاع، فإن الانخفاض الأخير في مستويات العداء لا يعني انخفاضًا في حجم الأزمة الإنسانية، حيث انخرط اليمن وسكانه بشكل شامل في ثماني سنوات من الصراع المسلح الوحشي، فضلًا عن الانهيار الاقتصادي والكوارث الطبيعية وانتشار فايروس كورونا والتعرض لأحد أكبر موجات الكوليرا في التاريخ. تستمر الكارثة الإنسانية في اليمن حتى بعد توقف القتال، وستبقى على هذا الحال بالتأكيد حتى يتوفر للبلد الوقت والموارد لمعالجة الأزمة.
تُبرز التقارير المستمرة عن أعمال العنف على الخطوط الأمامية الحاجة إلى وقف رسمي لإطلاق النار. ما يزال الوصول إلى الخدمات الأساسية والسلامة والأمن بعيدًا عن متناول ملايين الأشخاص، إذ ما يزال 80% من سكان اليمن يكافحون للوصول إلى الغذاء. ومع الانهيار التام للنظام الصحي في البلاد، تموت امرأة كل ساعتين أثناء الحمل أو الولادة لأسباب يمكن الوقاية منها.
أثّرت تجارة الأسلحة الغربية وستظل تؤثر على مجموعة واسعة من حقوق الإنسان الأساسية للشعب اليمني، بما يشمل حقوق الأفراد في الحياة والحرية والصحة والتعليم والأمن وحرية التنقل والفكر والتجمع والتعبير عن الرأي.
ستؤدي الصادرات العسكرية الجديدة من المملكة المتحدة وإيطاليا والتي تنتهك القوانين الدولية والإقليمية إلى تفاقم وإطالة أمد الظروف الصعبة للغاية في اليمن.
ما تزال الاحتياجات الأساسية غير متوفرة لعدد كبير من الأفراد، في ظل عدم توفّر 80% من الموارد المطلوبة لتنفيذ عمليات الدعم والاستجابة الإنسانية.
ما تزال عواقب حملة الضربات الجوية الدولية المروّعة التي تهدف إلى تحجيم المكاسب الإقليمية للحوثيين واضحة، وهناك حاجة ماسة إلى تفعيل أنظمة الحماية وآليات التحقيق المستقلة وتعزيز الاستقرار السياسي– وليس المزيد من الصواريخ والقذائف التي لا تفيد سوى في تدمير البلاد.