مقال رأي ل/محمود مشتهى
مساعد اتصال وتواصل في مشروع لسنا أرقامًا، المرصد الأورومتوسطي
على مر السنين، أظهرت جامعة الدول العربية فشلًا ثابتًا في معالجة القضايا الإنسانية بشكل فعال داخل المنطقة، حيث أخفقت في تطبيق مبادئ حقوق الإنسان ومعالجة الأزمات الإنسانية، وتعزيز القيم الديمقراطية في العالم العربي. على الرغم من هدفها المعلن لتوحيد الدول العربية وإيجاد حلول لتحدياتها، إلا أن الجامعة لم تحقق نتائج ملموسة بعد.
تتمثل إحدى إخفاقات جامعة الدول العربية الملحوظة في عدم قدرتها على حل النزاعات بين الدول الأعضاء بشكل فعال أو إيجاد حلول سلمية للنزاعات الإقليمية. ومن الأمثلة على ذلك، الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والحرب الأهلية اللبنانية، والصراعات المستمرة في سوريا واليمن وليبيا، والأزمة الحالية في السودان.
فمثلاً عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، التي تحمل تاريخًا مهمًا للعالم العربي، فإن جامعة الدول العربية لم تكن فعالة في اتخاذ قرارات هادفة لدعم الشعب الفلسطيني والتصدي للقضايا المستمرة المتعلقة بالمستوطنات وتوسع الاحتلال والتشريد والقتل من قبل الاحتلال الإسرائيلي. ومؤخرًا أبدت الجامعة عجزها في التعامل مع الهجمات الإسرائيلية المتكررة على غزة، منها الذي شهدته مؤخرًا في هجوم مايو ٢٠٢٣ على غزة.
أما في الأزمة السورية، فلم تتمكن الجامعة من إيجاد حل سياسي شامل يحقق العدل والسلام في البلاد. رغم تعرض الشعب السوري لجرائم حرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، إلا أن الجامعة لم تتخذ إجراءات فعالة لمحاسبة المسؤولين ووقف العنف. وبدلاً من ذلك، طغت المصالح السياسية على التزام المنظمة بدعم المبادئ الإنسانية وحماية حقوق الإنسان.
عودة بشار الأسد إلى الجامعة العربية
منذ الإعلان عن نبأ عودة بشار الأسد إلى جامعة الدول العربية، أصيب الشعب السوري بخيبة أمل واستياء عميقين. كان السوريون يعولون على استمرار العزلة الدولية لنظام الأسد والعقوبات المفروضة عليه، وأن يجدوا الدعم والتضامن العربي في نضالهم المستمر من أجل الحرية والعدالة.
يثير هذا الإجراء تساؤلات حاسمة حول البوصلة الأخلاقية لجامعة الدول العربية والتزامها بالعدالة وحقوق الإنسان وتطلعات الشعب السوري. من خلال احتضانها للأسد، رغم تورطه المباشر في المجازر ودوره في تحطيم أحلام السوريين في حياة كريمة، فإن الجامعة لا تخون السوريين فحسب، بل تقوض مصداقيتها وشرعيتها.
قبل الخوض في قرار إعادة نظام الأسد إلى عضوية الجامعة العربية، من الضروري التذكير بالفظائع التي ارتكبت في ظل حكم بشار الأسد. لقد عانى الشعب السوري معاناة لا حد لها، حيث عانى من قمع وحشي ضد الاحتجاجات السلمية التي اندلعت في عام 2011 وتصاعدت بعد ذلك إلى حرب أهلية مدمرة.
نظام الأسد متهم بارتكاب جرائم شنيعة ضد الإنسانية، بما في ذلك القصف العشوائي والهجمات الكيماوية والاستهداف الممنهج للمدنيين.
الإفلات من العقاب والتغاضي عن العدالة
منذ بداية الصراع السوري، عانى الشعب السوري من عنف غير مبرر وتعذيب وقتل وتهجير قسري. أشارت الأمم المتحدة أن أكثر من 400 ألف شخص فقدوا حياتهم، وأن ملايين السوريين أصبحوا نازحين داخليًا أو لجأوا إلى البلدان المجاورة.
وتشهد الإحصائيات والأرقام المروعة على معاناة السوريين، وبحسب الأمم المتحدة، هناك أكثر من 13 مليون شخص في سوريا بحاجة إلى مساعدات إنسانية. إلى جانب ذلك، ذكرت اليونيسف أن أكثر من 2.3 مليون طفل سوري غير قادرين على الذهاب إلى المدرسة، وأن ما يقرب من 5.6 مليون في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية.
وأفادت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين أن 88٪ من السوريين يعيشون في فقر مدقع، وأن 80٪ من الأطفال لا يذهبون إلى المدرسة بانتظام. في ضوء هذه الإحصائيات المخيفة، فإن تجاهل جامعة الدول العربية للظلم والقمع الذي يواجهه السوريون بشكل يومي يثير مخاوف كبيرة بشأن التزامها بحقوق الإنسان.
هذه الحقائق المروعة تجعل من الصعب قبول عودة بشار الأسد إلى جامعة الدول العربية، لأنها إهانة لضحايا النظام السوري ولحقوق الإنسان وقيمه.
تقويض الحلم السوري
وجه قرار عودة الأسد إلى الجامعة العربية ضربة قاسية لآمال وتطلعات الشعب السوري الذي طالما اشتاق للعدالة والحرية ومستقبل أفضل. حيث يتجاهل هذا القرار الأزمة الإنسانية الهائلة التي ما زالت تعصف بسوريا. تعاني البلاد من الفقر المدقع ونقص الخدمات الأساسية والاقتصاد المنهك. إن عودة الأسد إلى الجامعة العربية لا تؤدي إلا إلى تعزيز الوضع الراهن وإطالة معاناة الشعب السوري، وتحرمه من فرصة إعادة بناء حياته وتضميد جراحه.
يجب أن تكون جامعة الدول العربية في طليعة مناصري هذه القيم، لا المساومة عليها. لا يمكن تحقيق المصالحة والسلام الحقيقيين إلا من خلال عملية سياسية حقيقية وشاملة تدعم حقوق جميع السوريين، بغض النظر عن خلفياتهم أو انتماءاتهم.
المسؤولية الأخلاقية للجامعة العربية
تواجه جامعة الدول العربية واجبًا أخلاقيًا عميقًا لإعادة النظر في قرارها بإعادة الأسد. في حين أن المشاركة والحوار قد تكون ضرورية لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، لا يمكن المساومة على العدالة والمساءلة.
يعكس قرار احتضان الأسد تجاهلًا خطيرًا للعدالة وحقوق الإنسان. إنه يبعث برسالة مؤلمة مفادها أن القادة المسؤولين عن الفظائع الجماعية يمكنهم التصرف في ظل الإفلات من العقاب، والتهرب من المساءلة عن جرائمهم.
ونتيجة لعودة الأسد إلى جامعة الدول العربية، فإن السعي لتحقيق العدالة في سوريا قد تعرض لانتكاسة كبيرة، ويقوض الجهود الجارية لإنشاء محكمة دولية ذات مصداقية يمكن أن تحاسب المسؤولين عن الفظائع.
ومن المؤسف أن الجامعة مستعدة لغض الطرف عن معاناة السوريين، واضعة النفعية السياسية فوق المبادئ والقيم الأخلاقية.
تحقيق العدالة
لدعم التزام جامعة الدول العربية بالعدالة وحقوق الإنسان، يجب عليها اتخاذ إجراءات حاسمة:
أولاً، يجب أن تعيد النظر في قرارها بإعادة الأسد وأن تطالب بدلاً من ذلك بمحاسبة حقيقية عن الجرائم التي ارتكبت في ظل حكمه. عليها أن تدعم الجهود الدولية لإنشاء محكمة تحاكم الأسد أو أن تعمل عن كثب مع المحكمة الجنائية الدولية لضمان محاكمة المسؤولين عن الفظائع في سوريا.
ثانيًا، يجب على جامعة الدول العربية تقديم دعم كبير للشعب السوري، بما في ذلك المساعدات الإنسانية، ومساعدة اللاجئين، ومبادرات إعادة الإعمار بعد الصراع.
في النهاية، يجب أن تكون حقوق الإنسان والعدالة في صميم أي نقاش حول سوريا. على جامعة الدول العربية إعادة النظر في قرارها، وتأكيد التزامها الحقيقي بحقوق الإنسان والكرامة الإنسانية، والوقوف إلى جانب الشعب السوري في سعيه إلى الحرية والعدالة.
لن يكون هناك سلام حقيقي ومستدام في سوريا دون عدالة ومساءلة عن الجرائم المرتكبة. على الرغم من ذلك، تظل العقوبات الدولية والعزلة السياسية والاقتصادية هي السبيل الوحيد للضغط على النظام وتحقيق تغيير حقيقي.